الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة تدعو إلى اعتماد مقاربات جديدة لبناء دولة عصرية


استنادا على المقتضيات الدستورية في جوانبها المرتبطة بالتنظيم اللامركزي للبلاد، وخاصة منها ذات الصلة بموضوع الجهوية التي ميزها الدستور بكونها "مُتقدمة" في فصله الأول. وبعد استحضار أشغال اللجنة الاستشارية حول الجهوية، ومختلف مذكرات الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، المقدمة في هذا الصدد.
وبعد الاطلاع على مشروع القانون التنظيمي حول الجهة، سواء في صيغته الأولية في شكل مُسودة، أو في صيغته النهائية التي تمت إحالتها إلى مجلس النواب؛
أولا، تُسجل في البداية إن مشروع القانون التنظيمي لا يتماشى مع انتظارات الشعب المغربي وحقه في جهوية مُتقدمة حقيقية، تعمل على تجاوز مُختلف أشكال التدبير المركزي المعتمد لحد الآن، والذي أدى لحد الآن، إلى ترتيب المغرب في مراكز غير مشرفة على المستوى الدولي، في كل ما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
إن الحاجة تدعو، الآن وأكثر من أي وقت مضى، إلى اعتماد مقاربات جديدة لبناء دولة عصرية، قائمة على لامركزية حقيقية، يكون فيها للمواطنات والمواطنين، حق المبادرة الحرة، التي تُحرر طاقاتهم، وتدفعهم إلى المشاركة المكثفة، الواعية، والهادفة إلى تشييد صرح مغرب قوي بتنوع تجاربه التنموية.
ثانيا، تُلاحظ حول مشروع القانون التنظيمي للجهة:
1- إن عدم إدراج المشروع ضمن مدونة متكاملة للجماعات الترابية، قد أثر بشكل واضح على التوجه العام للنص، وجعل منه مجرد جماعة ترابية تتمتع باختصاصات محددة، من خلال البُعد الجغرافي فقط.
لقد كانت الحركة تنتظر مشروعا ترابيا متكاملا، قادرا على تجاوز السلبيات الحالية، واضعا الأسس لتنظيم لامركزي متقدم فعلا، يُراعي التدرج في سلم الأولويات الترابية بشكل يكون فيها للجهة موقع "الصدارة" كما نص على ذلك الفصل 143 من الدستور. إلا أن المقاربة المعتمدة، قد أبانت عن قصور الفلسفة التجزيئية عن وضع تصور متطور حول الإدارة الترابية للبلاد.
2- إن مشروع القانون التنظيمي للجهة، رغم محاولته توسيع صلاحيات الجهة، مقارنة مع القانون السابق لفترة ما قبل الدستور الجديد، فإنه لم يفلح في ذلك نتيجة اعتماده نظام اللوائح الحصرية لاختصاصات الجهة في القسم الثاني من المشروع، أو اختصاصات مجلسها ورئيسها في القسم الثالث منه.
إن في الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، تعتبر أن الأصل هو أن تُمارس المجالس الجهوية، كل الشؤون الجهوية، وأن تكون اللوائح التي ينظمها مشروع القانون التنظيمي للجهة مجرد لوائح واردة على سبيل المثال لا الحصر، لتكون بمثابة مؤشر فقط على تدخلات الجهة، وبشكل يسمح ببروز تجارب متنوعة، قوامها التنافس لتحقيق المصلحة العليا للوطن في مجال التنمية الشاملة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبصفة عامة، التنمية البشرية التي يكون عمادها سكان الجهة، رجالا ونساء، وبمختلف فئاتهم الاجتماعية.
3- إن مشروع القانون التنظيمي للجهة، رغم استبداله لمصطلح "الوصاية" بمصطلح "المراقبة"، إلا أنه لم يعمل على التخفيف منها، بل شددها بشكل يطمس هوية الجهة وصلاحياتها التي ينبغي أن تكون مستقلة وأصيلة مُستمدة من الدستور والقانون، وليس مجرد "هبة" يُمكن الإيقاف من مداها عن طريق تدخل السلطة المركزية وممثليها، ولو في شكل لجوء إلى الجهاز القضائي، الذي ينبغي أن يظل بعيدا عن الصراعات والخلافات السياسية، إلا في الحدود الدنيا.
إن الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، تعتبر أن أحد الأسس الجوهرية للجهوية المتقدمة، يتمثل في حماية الجهة من تدخل الهيئات المركزية وتقليص ذلك إلى أضيق الحدود اللازمة فقط لحماية الوحدة الوطنية وتلاحمها. فالمغرب، سيكون ولا شك في ذلك، قويا من خلال تعدد تجاربه الجهوية وتنوعها، وهو ما نلمس له أثرا مهما في المشروع الحالي عند اعتماد الصيغ التي تسمح باستعمال مبدأي "التدرج والتمايز" عند وضع المبادئ العامة لاختصاصات الجهة (المادة 80)، أو عند الحديث عن الاختصاصات المنقولة (الفصل 95).
4- رغم المكتسبات التي حصلت عليها المرأة المغربية، بفضل نضالات القوى الحية بالبلاد، المؤمنة بقضايا المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، والتي كرسها دستور 2011 من خلال مقتضيات عديدة كان أبرزها الفصل 19، فإننا لم تلمس الاخيرة أي أثر لمقتضيات تضمن تمثيلية مناسبة للنساء في مراكز تدبير الجهة. لقد اكتفى المشروع بإشارات عامة وغامضة، لن تُؤدي إلى النتائج المرجوة منها في مجال مشاركة النساء في اتخاذ القرارات ، خاصة على المستوى الجهوي، الذي نُراهن عليه لإعطاء بلادنا انطلاقة تنموية نوعية جديدة، مما يجعل منه مشروعا بعيدا عن روح المساواة والمناصفة التي تُحرر الطاقات النسائية وتجعلها شريكة ومساهمة في بناء صرح الجهوية المتقدمة.
ولكل هذه الأسباب، فإن الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، تعتبر أن مشروع القانون التنظيمي للجهة، المعروض حاليا للنقاش أمام البرلمان، لا يزال ينقصه التشاور المعمق المفضي إلى تعديلات جوهرية تجعل منه ورشا مُجتمعيا يستهدف بناء مغرب قوي وموحد، ونموذجا يُحتذي به على صعيد دول العالم الثالث.
وفي هذا الصدد، فإن الحركة، لن تذخر أي جهد للمساهمة في النقاش العمومي، بتقديم التصورات والمقترحات التي ترى أنها كفيلة بتحقيق جهوية متقدمة حقيقية.