وسط تعدد التنظيمات .. من يمثل "الحركة الأمازيغية" بالمغرب؟


ميمون أم العيد
التنظيمات الأمازيغية كثيرة والهيئات المتبنية للخطاب الأمازيغي عديدة، مما يجعل العديد من المهتمين يتساءلون حتى داخل هذه الحركة نفسها من يمثل "الحركة الأمازيغية"؟ ، فكثيرون هُمُ الذين يتحدثون باسم أمازيغ المغرب وباسم حركتهم خاصّة في وسائل الإعلام.
يبدو التساؤل بسيطا للوهلة الأولى، لكنّ الاجابة عنه معقدة. وأول العقبات ليست هي من يستطيع أن يُقدّم جوابا، فالأجوبة عديدة، والمناضلون كثر في كل ربوع الوطن. لكن العقبة من يجب أن نسألَ؟ ومن يضمن لنا ألا يعتقد قُرّاء هسبريس الإلكترونية أن هؤلاء الذين ندرج أجوبتهم لا نقدّمهم بالضرورة بأنهم هم الذين يمثلون الحركة الأمازيغية.
إيمازيغن والأمازيغية
ينبه أحمد الدغرني في حديثه لهسبريس إلى الفرق بين إيمازيغن والأمازيغية، إذ يؤكد الأمين العام للحزب الأمازيغي المنحل أن الموجود في النصوص القانونية هو "الأمازيغية وليس إيمازيغن وهي حيلة سياسية للتهرب من استعمال كلمة إيمازيغن كمواطنين ومواطنات وحقوق سياسية واقتصادية ليفسح المجال لاستعمال كلمة العرب والمسلمين وأحيانا اليهود على نطاق كثير من القوانين والنصوص وفي الخطاب السياسي".
وفي مقابل ذلك ـ يؤكد الدغرني ــ "لا يعترف المخزن المغربي بتمثيلية إيمازيغن في الوقت الحاضر، بل ينهج منع تمثيلهم حزبيا بكل الوسائل وشرّع قانون الأحزاب لسنة 2006 منع تمثيل الأمازيغ حزبيا ونقابيا، واعتبرهم عرقا ليمنعهم بالتالي كونهم شعبا، لتصبح تمثيلية الأمازيغ رهينة بالمستقبل وبتطور الديموقراطية".
ليَخلُصَ الدغرني إلى أنه " لا يمكن تمثيل مجموعة من الشعب المغربي كيفما كان نوعها في ظروف تزييف تمثيلية الشعب ككل سيما وأنه في "الوقت الحاضر يتحدث كل من شاء ولو نفاقا وزورا باسم الحركة الأمازيغية الى حين وجود جو ديمقراطي يتيح تحديد معايير التمثيلية لعموم الشعب المغربي الذي لاتزال تمثيليته يمارسها كل من سولت له نفسه أن يصل إليها وفي الغالب بطرق غير ديمقراطية." بتعبير دّا حماد كما يحلو للنشطاء مناداته.
النضال حق وواجب على الجميع
من جهته يرى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد أن "الحركة الأمازيغية حركة تضم تيارات ومواقف مختلفة وتنظيمات جمعوية وطلبة وشخصيات فكرية وثقافية وفنية ومحامين وتجار ورجال أعمال، ما يجمع بينهم جميعا هو فكرة الأمازيغية أي ضرورة إعادة الاعتبار للأمازيغية هوية وثقافة ولغة، ولكن أيضا حقوقا اقتصادية واجتماعية، أي الحقوق في التنمية وفي الأرض والموارد والثروات الطبيعية في إطار المساواة ورفع الميز، وليست تنظيما موحدا أو حزبا سياسيا ليكون لها ناطق رسمي".
عصيد الذي يشغل رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق الحريات أورد في حديثه أن "مشكلة التمثيلية لا تطرح عند الحديث عن المطالب والعوائق وعند التنديد بأشكال الميز، ولكنها تطرح عند الحديث التنظيمي، كأن يقوم طرف ما بإصدار بيان أو تنظيم وقفة والقول إنها من إنجاز الحركة الأمازيغية، بينما هو أمر يخصّ تنظيما محددا أو تنظيمات معينة ولا يلزم الجميع، أو كمثل التعبير ـ من طرف شخص ما ـ عن رأي شاذ وغريب ولا ينسجم مع الخيار الديمقراطي وينسب للحركة، فالمواقف التنظيمية والشخصية لا تلزم سوى من تصدر عنه، أما النضال من أجل جوهر القضية فهو حق للجميع وواجب الجميع".
وزاد "أن سبب كون موضوع التمثيلية ذو حساسية كبيرة داخل الحركة هو الثقافة الديمقراطية العريقة للأمازيغ، والتي هي ثقافة متشدّدة في رفض الاستبداد والاستئثار بالرأي والموقف وعدم التشاور."
لا أحد يمثل الحركة
يُقر الباحث رشيد الحاحي بأنه "لا أحد يمثل الحركة الأمازيغية في المغرب على المستوى العملي والفعلي، لكن على مستوى النشاط والحضور في فضاء المجتمع والنقاش الحقوقي والسياسي والعمومي من الملاحظ أن كل طرف من الأطراف المتواجدة ضمن النسيج الجمعوي والمشاريع السياسية الأمازيغية، يحاول أن يحتكر هذه التمثيلية من خلال الحديث باسم ايمازيغن ومطالبهم وردودهم، واعتبار مشروعه هو الأفيد بل أحيانا والوحيد".
وأضاف أن " هناك أشخاص بعينهم احترفوا هذه التمثيلية ويحاولون باستمرار تجاهل بعضهم البعض والتربص ببعضم البعض، للإفتاء في كل نازلة والانفراد بالحضور في واجهة النقاش والاحتجاج واللقاأت والاتصالات العلنية والسرية".
الحاحي الذي تحدث لهسبريس بصفته المنسق الوطني للتنسيق الوطني الأمازيغي قال إن "السبب الأساسي في افتقار الحركة الأمازيغية لمن يمثلها بشكل ديمقراطي وملتزم وفي إطار مشروع واضح ومبادئ القضية يعود إلى وضعية التشتت التي تطبع النضال والعمل الأمازيغي خاصة على المستوى التنظيمي، دون أن نغفل بأن هذا الوضع له بعد ايجابي لأنه يجعل الحركة منفلتة من الاحتواء".
"فصحيح أن المقاربة الديمقراطية تقتضي الإقرار بحق الجميع في العمل والاهتمام والدفاع عن الأمازيغية وفق تصوره ومجال اشتغاله" يقول الحاحي "إلا أن شكل توظيف الأمازيغية واستغلالها أحيانا كثيرة يؤكد عكس ما يدعي البعض".
وزاد المنسق الوطني للتنسيق الوطني الأمازيغي بأن "الأمازيغية صارت ضحية الافتقاد إلى مشروع واضح وغياب الشرط الديمقراطي الفعلي، وبقدر ما يعمل البعض وينادي بأن تكون ملكا للجميع بقدر ما يتضح أنها لا تملك من يدافع عنها ويبلور ويحقق مشروعها كما يجب أي أنها ملك لا أحد، وهذا هو الأخطر! "
الحركة تعبر ولا تمثل
أما الفاعل الأمازيغي محمد أجعجاع فيؤكد من جهته أن " الحركة الأمازيغية بحكم طبيعتها المدنية، ووفقا للمنهجية الديموقراطية، فهي تستمد شرعيتها من أعضائها المؤسسين والمنخرطين. إنها لا تهدف إلى الوصول إلى مراكز القرار السياسي لتطبيق برامجها، وبهذه الصفة تكون جميع جمعيات الحركة الأمازيغية معبرة عن هموم إيمازيغن في حدود مؤهلاتها واختياراتها المذهبية، لا ممثلة لهم".
أجعجاج أضاف في حديثه لهسبريس أن "إيمازيغن جزء من الشعب المغربي، يمثلون الأغلبية وينتشرون على مدى التراب الوطني، يتوزعون داخل المجتمع إلى هيئات وطبقات ويتصنفون إديولوجيا بحسب المصالح الخاصة إلى يمين ويسار واسلام سياسي ولا منتمون". نفس المتحدث أردف أن " فتح الباب أمام تكاثر جمعيات المجتمع المدني من ثقافية وتنموية وفنية ماهو سوى مناورة سياسية لإيهام الرأي العام الوطني والدولي أن مطالب الحركة الأمازيغية قد تمت الاستجابة لها".
سؤال سابق لأوانه
من جهته يقر أحمد أرحموش رئيس الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب أن سؤال التمثيلية غير قائم في اللحظة الحالية في وسط الحركة الأمازيغية. ويعزي أرحموش ذلك، وهو الذي يرأس إئتلافا يضم 105 جمعية أمازيغية، إلى كون " الحركة نسيج متنوع ومتعدد، يتقاسم بعض وجهات النظر ويختلف في بعض الرؤى والأهداف والاستراتيجيات، ومن جهة أخرى كونها حركة مدنية غنية بتعددها وتنوعها ، هي بذلك حركة مدنية وطنية غير حكومية/ إجتماعية ديمقراطية تحمل مشروعا يتجاوز النزعات الوطنية الإقليمية المنغلقة. وتسعى إلى مصالحة الوطن والمواطنين مع تاريخهم في بعده الشمال الإفريقي والمتوسطي وفي بعده الذي نعلَن فيه جميعا الانتماء إلى المبادئ الإنسانية والحقوقية و الكونية".
أرحموش يعتبر مسألة غياب التمثيلية "اعتقد أن هذا المنحى هو عنصر قوة للحركة الامازيغية وليس عنصر ضعف. وأرى أن الحديث باسم وبالنيابة عن الامازيغ أو الحركة الامازيغية كمن تجرأ للحديث باسم الشعب المغربي، وبالمقابل يبدو لي أن قوة المواقف والرؤى تكون في علاقة بالرأي العام لمن يستطيع حشد اكبر عدد ممكن من مكونات فعالياتها ومكوناتها الجمعوية، وقوة الحجة وقوة التأثير خارج منطق التمثيلية يكون دائما للفاعل والناشيط والمبادر في الحياة العامة".
الطلبة والقبيلة والبنى التقليدية
وإذا كان الباحث رشيد الحاحي يشدد على ضرورة "استحضار الحركة الثقافية الأمازيغية أي الفصيل الطلابي الذي يمثلها وقد استطاع على امتداد أكثر من عشرين سنة إثبات حضوره وطرح خطابه وفتح النقاش حول قضايا الأمازيغية داخل العديد من المواقع الجامعية بالمغرب. كما ظهرت مبادرات تحاول إثبات الحضور الأمازيغي في فضاء الاحتجاج الوطني خاصة حركة توادا التي يقودها الشباب الأمازيغي"، فإن الناشط الأمازيغي الحُسين شنوان، أحد رموز الحركة الثقافية الأمازيغية بالجنوب الشرقي يعتقد أن " من يمثل الأمازيغ اليوم هو البنى التقليدية أي القبيلة".
شنوان يرى أن " القبيلة هي التي تعتبر الحصن بأعرافها ولغتها وتشبتها بالأرض، مادامت الجمعيات والتنظيمات السياسية تبني مشاريعها بقوالب جاهزة ومستوردة فلا علاقة لها بهذه الأرض وهذا الشعب". وزاد في حديثه لهسبريس أن " الأمازيغ يمثلهم شتات من المثقفين هنا وهناك، في انتظار التحامهم بالجماهير وبالبنى التقليدية، وفي يوم ما سنقف أمام حقيقة أن هناك شعب أمازيغي ــ يقول شنوان ــ لم يقل كلمته، أي ما نسميه بالأغلبية الصامتة".