الجدل يرافق منع المغرب لفيلم عن قصة النبي موسَى


 إسماعيل عزام
بعد ساعات قليلة من إعلانها عرض "الخروج: آلهة وملوك"، خرجت قاعة "إيماكس" الكائنة بالدار البيضاء، بمنشور على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، تشير فيه إلى إلغاء عرض هذا الفيلم، معتبرة أن القرار جاء من "السلطات المختصة". السبب غير المعلن عنه هو كون الفيلم المذكور يجسد الذات الإلهية، ويقدم مغالطات تاريخية عن حياة النبي موسى عليه السلام في مصر، ومن ذلك تصويره لخروج اليهود عبر زلزال أرضي وليس بمعجزة شق البحر بعصا.
وليست قاعة إيماكس وحدها من قرّرت إلغاء عروض الفيلم، بل هناك قاعات سينمائية أخرى بالدار البيضاء وكذلك بالرباط، أخذت القرار ذاته، ممّا تسبب في ارتباك ببرمجتها، وذلك في تكرار لواقعة منع فيلم "نوح" الذي امتنعت الصالات المغربية عن عرضه أبريل الماضي حتى مع برمجتها المسبقة له ضمن مواعيدها، والسبب هو "تعارض الفيلم مع تعاليم الإسلام بما أنه يجسد النبي نوح".
وفي تعليق له على قرار التراجع عن عرض الفيلم، اعتبر الناقد السينمائي، عادل السمار، أن منع جماهير الصالات السينمائية من مشاهدته، يعتبر اعتداءً على حقوقهم، مبرزاً أنه شخصياً لم يشاهد "الخروج: آلهة وملوك"، ويعتبر أن هذا القرار يمنعه من حق تكوين رأي خاص حوله كعمل سينمائي، مضيفاً:" لا أقبل أن يقرّر غيري أو ينصّب نفسه وصياً على ما يحق لي مشاهدته أو عدم مشاهدته".
ويتحدث الفيلم الأمريكي "الخروج: آلهة وملوك" عن قصة النبي موسى عليه السلام منذ ولادته وما رافقها من صعاب، إلى حد تحديه للطاغية فرعون بعد أن عاش لسنوات في منزل العائلة الحاكمة بعد رعايته من طرف زوجة الفرعون "آسية". كما يعرض الفيلم لعلاقة موسى ببني إسرائيل، ومحاولاته إنقاذهم من العبودية التي لاحقهم بها نظام الفرعون.
واستطرد عادل السمار أن السينما فضاء خاص يلجه المواطن بكامل حريته، حيث يختار هذا الأخير ما يرغب ومالا يرغب في مشاهدته، وليس كالتلفزيون الذي "يقتحم فضاءاتنا الخاصة بعنوة وتشاهده الأسر في منازلها"، وبالتالي، فلا مجال للسلطات من أجل فرض الوصاية على جمهور السينما بالمغرب، يقول السمار.
وأبرز المتحدث ذاته أن ما استفزه أكثر هو اقتصار المنع على المواضيع الدينية والجنسية، وذلك في الوقت الذي نشهد فيه "مبالاة كبيرة وتساهلا مريباً مثلاً مع العنف الطاغي في شاشاتنا"، والذي اعتبره السمار محتوياً لآثار سلبية خطيرة على الجمهور الشاب، دون أن يستفز ذلك من يمنع الأفلام السينمائية الأجنبية من العرض.
ويشير الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي إلى أن قرارات المنع، فيما يخصّ الأعمال الفنية، لم تعد لها جدوى ولا فائدة في هذا العصر الذي يتسم بالتطوّر التكنولوجي، فمن لن يشاهد هذا الفيلم في القاعات السينمائية، سيجد طرقاً أخرى لمتابعته، بل إن هذا المنع، يضيف رفيقي، يعتبر بمثابة ترويج للفيلم، سيجعله يصل إلى فئات لم تكن لتلتفت له.
ونادى رفيقي بأن تكون المواجهة عبر الأفكار والثقافة الرصينة، أي أن يخرج الرد بنفس الوسائل وبنفس الاتقان والإغراء، وليس عبر المنع الذي يغذي الرغبة في مشاهدة مثل هذه الأفلام، معتبراً في سياق آخر، أن فكرة تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، تبقى مثار جدل بين الفقهاء بين من يحرّم ذلك بشكل قطعي وبين من يحلّل ذلك شرط عدم الإساءة لمن تم تجسيدهم، منهياً تصريحه لهسبريس بأن عدم مشاهدته لحد الآن هذا الفيلم، تجعله لا يستطيع تكوين فكرة فقهية حوله.
وقد أشارت مصادر من قاعات سينمائية كان من المقرّر أن تعرض الفيلم، أنها توصلت باتصالات هاتفية هذا الصباح، تطالبها بعدم عرض الفيلم، وبأن تبحث بدله عن فيلم آخر لجماهيرها، متحدثة لها عن أن المركز السينمائي المغربي سيراسلها في المستقبل القريب ببلاغٍ يوضح الأسباب الكامنة وراء هذا القرار.
وقد اتصلت هسبريس بالمركز السينمائي المغربي، الجهة الوصية على قطاع السينما بالمغرب، من أجل معرفة الأسباب الكامنة وراء المنع، إلا أن مسؤولاً هناك طالب هسبريس بإرسال طلب عبر الإيميل كي يجيب عنه بشكل كتابي، وهو ما قمنا به، ليطلب مرة أخرى الانتظار حتى يصلنا بلاغ رسمي سينشره المركز في غضون ساعات قليلة على موقعه الرسمي، دون أن ينشَر أي شيء لحد كتابة هذه السطور، ودون أن يرسل المسؤول المذكور أي توضيحات أخرى.
وكان المركز السينمائي المغربي قد أشار سابقاً، فيما تداولته وسائل إعلام مغربية، إلى أن الفيلم المذكور سيُعرض باعتباره عملاً فنياً حاول تصوير القصة في قالب إبداعي وفق تصوّر المخرج، ملفتاً إلى ضرورة منع الجمهور القاصر دون السادسة عشرة من دخول القاعات السينمائية التي يعرض فيها الفيلم، وذلك كي لا يفهموا مضمونه بطريقة سلبية.