ورزازات بين طريق الأفعى وأكذوبة السينما



عبد الله الدامون 
الطريق إلى ورزازات غير مفروش بالورود، إنه مفروش بالسحاب لأن أقرب الطرق إلى المدينة هو طريق السماء، حيث توصلك الطائرة من الدار البيضاء إلى هذه المدينة الهادئة في أقل من 40 دقيقة. 
لكن الطائرة ليست امتيازا يُبرز تقدم البلاد، بل وجها آخر من وجوه التخلف، لأن الطريق ما بين ورزازات وباقي مناطق البلاد مفروش بالدم والنكسات، وهناك أرقام قياسية لأعداد ضحايا حوادث السير الذين سقطوا في طرق وعرة ورهيبة تشبه أفعى رقطاء، وحادثة واحدة هناك خلفت قرابة خمسين قتيلا.
الورزازيون يقولون إنه لو تم ربط مدينتهم بباقي مناطق البلاد بطريق سيار أو بنفق، فإن وجه المدينة سيتغير وستستقبل المنطقة أعدادا قياسية من الزائرين والسياح؛ لكن الطريق السيار لن يُبنى قريبا لأسباب تقنية وأسطورية، أما النفق فيوجد على الورق منذ السنوات الأولى للاستقلال، وسيبقى على الورق إلى أن يرث الله ورزازات ومن عليها.
يتداول الورزازيون حكاية تقول إن شركة تركية محترفة تقدمت بعرض مغر لتشييد طريق سيار بين مراكش وورزازات، وفوق ذلك قدمت هبة للمنطقة، لكن العرض تم رفضه من طرف جهات ما لأسباب ما. لكن، ماذا لو أن ذلك العرض، أو أقل منه، تم تقديمه من طرف شركة فرنسية؟ أكيد أن تلك ال»جهات ما» لم تكن لتتردد لحظة في قبول العرض.
لكن هناك أسطورة تقول إن لعنة سرية تطارد المنطقة وإنه إذا ما تم ربط ورزازات بطريق جيد، مثل طريق سيار أو نفق، فسيحدث في البلاد كلها أمر جلل. ما هو هذا الأمر الجلل؟ اسألوا عنه في ورزازات!
ورزازات منطقة عاشت دوما في ظل النسيان حتى بنى فيها الفرنسيون ثكنة كبيرة بداية زمن الحماية، ومُذّاك بدأت تتوسع، لكنها لم تصل أبدا إلى حجم مدينة. ويقال إن الملك الراحل الحسن الثاني كان يحب الاستجمام في هذه المنطقة، وعادة ما كان يتناول فطوره في ساحة فندق عتيق مشرف على المدينة، فيتأمل ما يراه ويقول إن هذه الأرض لم يأت أهلها بعد. ترى، ماذا كان يقصد؟ لا أحد يدري المعنى المقصود في مدينة الألغاز، لكن مؤخرا وصلت مجموعات عقارية عملاقة إلى المنطقة وبدأت في بناء شقق ضيقة للمواطنين. أخيرا، يبدو أن أهل ورزازات قد وصلوا إلى أن يبنوا للناس صناديق سكنية في صحراء ممتدة على مرمى البصر كما لو أنهم يبنون أقفاصا للنسور.
الشعور في ورزازات يتراوح بين الفرح والغبن.. الفرح في مدينة استثنائية بهدوئها وطبيعتها، والحزن في مدينة تبدو كأنها تنهار من الداخل. هناك «جمهورية» من البلاستيك والقمامة تستقبل الزائرين في مدخل المدينة، وهناك نسبة قياسية من الطلاق في المحاكم، وأكيد أن الذين برمجوا للمغاربة سبع مسلسلات مدبلجة في اليوم يعرفون لماذا فعلوا ذلك.
ورزازات مدينة لا تشبه غيرها في طبيعتها المثيرة.. مدينة شديدة الوضوح إلى درجة الإبهار، مدينة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا أعمى؛ في سماء المدينة قمر مكتمل الاستدارة وحول قرص مبهر لن تراه في أي سماء.
الطبيعة لا يمكن أن تراها جلية ومبهرة في أي مكان.. هنا يتلوَّن السحاب مثل حرباء طائرة، نصف سحابة رمادي ووسطها أبيض ونصفها الآخر أصفر مشع كأن النار اشتعلت في تلابيبها أو كأن السحابة خرجت للتو من منجم ذهب. في الصباح الباكر، تطلع الشمس شرقا ويظل البدر واقفا في وجه الشمس متحديا جبروتها.
كل هذه الطبيعة جعلت ورزازات قبلة لسينمائيين كثيرين يبحثون عن كل هذا الوضوح. في المدينة صُوّرت عشرات الأفلام التي أبهرت العالم، وحتى قبل أن تكون ورزازات مدينة، فإن أول فيلم صور فيها كان مباشرة بعد اكتشاف التصوير السينمائي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الزمن استمر تثبيت المدينة في أدبيات السينما العالمية.
لكن أن تسمع بالسينما في ورزازات ليس كأن تراها.. استوديو السينما تراه عن بعد فتعتقد أنك ستجد سوقا شعبيا في انتظارك. تقترب، فترى تماثيل عملاقة حول السور، فتقتنع بأن السينما هنا. في الباب حارس فظ كما الحراس في أي مكان، وحركة عادية ولا إبهار إطلاقا. لا شيء هنا يدل على وجود السينما غير تلك الأبراج التي ترتفع هنا وهناك ومبان عادية جدا داخل قطعة أرض محاطة بسور آيل للسقوط وحوله أزبال وفراغ.
الذين يتغنون بالسينما في ورزازات يعرفون أنه لولا الطبيعة الخلابة التي منحها الخالق للمنطقة لانتهى وهْم السينما من زمان، ومع ذلك لازالوا يكذبون على المغاربة ويصورون ورزازات على أنها تتوفر على هوليود سينمائية حقيقية. 

ليست هناك تعليقات :